السبت، 11 يونيو 2011

المملكة الفاضلة

هذا ما رأيته ذات حلم.

يتوجه المواطنون إلى أعمالهم صباحاً على أنغام فيروز وأخواتها، فلا ألحان لحرب وهمية تــُقرع طبولها باسم "حبّ الوطن"، ولا عسكرة لعقولنا وتوتيرها قبل قهوة الصباح.

إذا أوقفك شرطيّ المرور ليحرر لك مخالفة، لا يطلب منك الترجل من السيارة احتراماً، بل يستأذنك أوراقك بأدبٍ ولباقةٍ وحدٍّ أدنى من الابتسامة، ليعكس صورةً لجهازٍ حضاريّ وعصريّ ومهنيّ، ولا وجود لكلمة "سيدي" لاستمالة قلبه.

يتمّ اختيار الموظفين الجدد للعمل في مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة والأداء والمؤهل العلمي، بعيداً عن ثقافة المحسوبية والواسطة، ولا تأثير للمقطع الرابع من الاسم بالاختيار، وعلى قاعدة الشفافية والعدالة تتساوى جميع الفئات في المنح والبعثات والمكرمات والاعفاءات.

يدخل تلاميذ المدارس إلى صفوفهم على وقع أناشيد وطنية وقومية تعكس سياسة تربوية لانشاء جيل ذو انتماء حقيقيّ للوطن والأمة، فلا أهازيج عن رقيب السير وضباط المكافحة والقوات الخاصة، والتي تؤسس لتربية مغلقة وعدميّة.

لا وجود لسلاح خارج إطار المؤسسة العسكرية والأمنية، ولا وجود لمربعات مغلقة خارجة عن القانون في ضواحي العاصمة والمدن، حيث يرتع تجار المخدرات والبنادق دون حسيبٍ أو رقيب.

في المملكة الفاضلة، تــُنشر كل التفاصيل المالية من إيرادات وإنفاقات على الملأ، سواء كانت مدنية أم عسكرية، والمتعلقة بالموازنة والرواتب و المكافأت والمنح النفطية والاستثمارات وعائدات الضرائب والجمارك والمخالفات بشفافية مطلقة، حيث يـُعرف كل دينار من أين مصدره وإلى أين يـُصرف.

يدفع جميع المواطنين دون استثناء أو تمييز فواتير المياه والكهرباء والضرائب، لا فرق بين منطقة وأخرى، وإن وُجدت الاستثناءات فتكون على أساسٍ وطنيّ عريض يشمل الفئات المسحوقة إقتصاديّا أينما تواجدت.

قانون انتخابها عادل، المملكة تعتبر دائرة انتخابية واحدة، ويتم الاقتراع على نظام القائمة النسبية المغلقة، حيث تتنافس كتل سياسية وتحالفات وطنية على قاعدة البرنامج السياسي، فلا مكان لعصبية قبلية أو تجارة في الدين والوطن أو مالٍ سياسيّ، ويشرف على عملية الاقتراع والفرز لجنة مستقلة ونزيهة بحضور مندوبي الكتل المتنافسة، لا تدخــُّل لأي جهازٍ أمني في عملها للتأثير في نتائج العملية، وتــُكلف الكتلة الأكبر في البرلمان بتشكيل الحكومة ويـُصوّت على الحكومة الجديدة من خلال البرلمان.

هناك قضاءٌ نزيه ومستقل، دون فسادٍ أو رشاوي أو خضوعٍ لنفوذ جهازٍ أو شخصيات تؤثر بأحكامه وعدالة قراراته، لا مكان لـ "شكوى بشكوى"، لا تهاون في جرائم العار "الشرف".

لا يسألك الضابط في المركز الأمني عن مكان ولادة جدّك إذا ما أردت تقديم بلاغٍ عن سرقة هاتفك النقال ليضيف هذه المعلومة "المهمة" لكتاب الدعوى.

في تلك المملكة، لا يـُقاس "الولاء والانتماء" بصورةٍ تــُلصق على الزجاج الخلفي أو برزمة أعلامٍ على "تابلو" السيارة، و لاوجود لهتافاتٍ عنصرية وإقليمية وشتائم في مدرجات كرة القدم.

لا تتدخل الأجهزة الأمنية بحياة الناس وخصوصياتهم، لا يتنصتون على مكالماتهم، لا يفتحون بريدهم، لا ينشرون عملائهم ولا يروجون الشائعات لإفساد نسيج المجتمع، للصحافة حرية دون سقف.

إذا كان لا بد من عفوٍ عام، فليتم بعيداً عن صفقاتٍ مناطقية ومكافآت عن مهمات قذرة قامت بها فئات لحساب الحكومة مقابل إخراج أبنائهم من السجون.

هناك، يسمح بالتظاهر السلميّ لأيٍّ كان، دون قمع أو غازٍ أو هرواتٍ أو رصاص، تكون مهمة الشرطة وواجبها حماية المتظاهرين، دون تهديدٍ بالاعتقال أو التحقيق.

في تلك المملكة الفاضلة، أجهزة رقابية وطنية وظيفتها مراقبة أداء الحكومة ووزرائها ومؤسساتها وموظفيها، مدنيين كانوا أم عسكريين، من علية القوم أم من صغاره، يرافق ذلك آلية لمحاسبة من سرق، ومن ظلم، ومن هرَب ومن هرَّب، ومن أطلق النار على جلال الأشقر.