الأحد، 29 مايو 2011

ثقافة المقاطعة

     يترقب الشارع الأردني ما ستفسر عنه اجتماعات لجنة الحوار الوطني من نتائج حول أبرز القضايا الخلافية والتعديلات الدستورية المنتظرة، في ظلّ حراكٍ إصلاحيّ يزداد تأثيره ويتردد صداه مع ازدياد وعي المواطن الأردني بأهميته، فلم تعد النخب التقليدية وحدها معنيّة بهذا الشأن، ولم تعد السياسة حكراً على أصحاب الخطاب "المعلــّب" الجاهز، بل نلحظ على المشهد الأردني شريحة من الشباب تنادي بنقلة ديمقراطية حقيقية، وبحرية التعبير والرأي، وبحكم القانون واستقلالية القضاء، وغيرها من الأهداف التي من شأنها اللحاق بركب الأمم التي تحترم إنسانها وتحاسب مسؤولها.

     لعل أبرز ما يـُثار ويـُتداول في الشارع الأردني هو شكل قانون الانتخاب الجديد، وملامح السلطة التشريعية التي سيفرزها، وعدد المقاعد المخصصة للمحافظات، والصلاحيات الممنوحة للمجلس ودوره الرقابي، فكلنا أمل أن يكون توزيع المقاعد عادلاً وعصريّاً وحضاريّاً، بعيداً عن المحاصصة المناطقيـّة والتي لم تفرز في الماضي سوى سوى مجلسٍ ذو طابعٍ جهويّ.

     ورغم تباين سقف التوقعات بشأن هذا القانون، إلا أنه لن يغادر منطقة رمادية بين "الأسوأ" و"الأفضل"، بين "الدوائر الوهميّة" و"التمثيل الديمغرافي العادل"، وقد تنعكس الصيغة النهائية للقانون على شكل وحجم المشاركة في الانتخابات القادمة، خصوصاً في المدن ذات الكثافة السكانية العالية، والتي تشهد عزوفاً تاريخياً – صار طبيعيّاً – عن المشاركة السياسية في اختيار ممثلي الشعب، فتهميش تمثيلهم الحقيقيّ على الأرض أوجد في أوساطهم ثقافة المقاطعة، وقطعاً لا أعني المفلسين والانتهازيين السياسيين الذين قاطعوا الانتخابات الماضية.

     آن لهذه الأغلبية الصامتة والتي لم تنتخب يوماً أن ترفع صوتها، وتكون الصبغة الحقيقية للعملية الديمقراطية القادمة في وجه المال السياسي وولاءات القبيلة ودعاة "الفردوس"، وعلى كل الحريصين على دولة المؤسسات والقانون تحضير خطاب يحثّ المواطنين على المشاركة من حيث المبدأ، ويبين لهم أهمية ذلك وتأثيره على حياتهم وأمنهم ومصالحهم، بل وأكثر من ذلك يحذرهم ويحملهم مسؤولية وطنية إذا ما تركوا الساحة لمنتفعي العهد البائد.

الجمعة، 27 مايو 2011

استفت ِ شعبك

     على الضفة الأخرى من المتوسط، إلى الشمال تقريبا من شرقنا العربي، يوجد تكتل اقتصادي وسياسي يسمى الاتحاد الأوروبي، تختلف الشعوب المنضوية تحته في كل شيء، اللغة والعرق والطائفة والتاريخ المليء بالحروب والدماء بينهم، وتجمعها المصالح فقط، أنشيء في السابق لتوحيد أوروبا من المد الشيوعي، لكنه الآن يعتبر مثالا للرخاء والازدهار والرفاه، ومن منا لا يحسدهم على حياتهم؟!

     ومع ذلك، وحين تحاول إحدى الدول الأوروبية الانضمام لهذا الاتحاد، وغالبا ما تكون هذه الدولة من المعسكر الشرقي سابقا حيث الفقر والبطالة والاضطهاد، يجري استفتاء شعبي لسكان هذه الدولة ليقرر الشعب مصيره ومستقبله، ولا يتم الانضمام بخبر يـُقرأ في الصحف أو مقابلة مـُقتضبة لمسؤول حكومي على التلفزيون الرسمي، وللتذكير، أنا أتحدث عن الاتحاد الأوروبي، حيث المال والحريات واحترام الذات البشرية ومغريات الحياة بالنسبة لشعوب شرق أوروبا !!

     أما في الأردن، فقد قررت الحكومة الرشيدة والإصلاحية الساعية للديمقراطية الحقيقية والشفافية الانضمام لدول مجلس التعاون الخليجي، دون إعطاء شرح كاف حول حيثيات هذا الانضمام وما سيترتب عليه هذا القرار، مستغلين بساطة الناس في نظرتهم للنفط الشهي، ومكتفين بما يتداولونه حول فرص عمل وعقود ونقود ومصالح سرابية.

     مطلوب من الحكومة عرض الفكرة بتفاصيلها على الشعب الأردني، كي نفهم ما لنا وما علينا، ثم اجراء استفتاء شعبي حول قرار الانضمام، فالشعب الأردني ليس قاصرا أو مراهقا كي تقرر عنه حكومة مشكوك في نزاهتها مصيره.

المواطنة في الأردن



المواطنة في الأردن

"الأردنيون أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين"
الدستور الأردني – مادة 6

     آن الأوان للتحدث بصوت عالٍ، والانتقال كأردنيين من حالة اللامبالاة وعدم الاكتراث لقضايانا اليومية والمعيشية إلى موقع التأثير والمسؤولية، فصمتك وعزوفك يعني تخليك عن حقوقك ومطالبك لصالح من يملك خطاباً إقصائياً يقوده تيار يميني عنصري يريد أن يــُبقي البلد إقطاعية له، نجحوا في ذلك في الماضي، وحصلوا على ما لا يستحقون من امتيازات ونفوذ ومصالح، وأفرزوا طبقة من الفاسدين يدّعون الآن محاربتها في أجواء الحراك الإصلاحي الجاري في الأردن، لذلك، هم يستنفرون اليوم غرائزهم ويشحنون المجتمع بتعبئة عقيمة وعدمية لا أفق لها.

     لا شيء يجمعني بهم سوى كوننا أردنيون، ولا أحاول تصحيح اعوجاج تفكيرهم القاصر والفاقد لمنطق التعددية وقبول الآخر، فالحل يكمن بتوعية الأفراد بدورهم ومسؤوليتهم والرد عليهم بمنطق أخلاقي وقانوني يكفل المساواة والعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين فئات المجتمع، بمرجعية دستورية ضامنة ومطمئنة لجميع المواطنين.

     المواطنة حق دستوري يكفلها القانون، لا يملك أحدٌ اسقاطها أو ابتزاز الأفراد من خلالها بمساوماتٍ سواء كانت ضمنية أو صريحة، لا وجود لمواطنة من الدرجة الأولى وأخرى من الدرجة الثانية، ولا يعني إذا ألقت قوافل إحدى القبائل رحالها في هذه المنطقة لحظة جلوس سايكس و بيكو لترسيم المشرق العربي أن أبناءها أردنيون أكثر من غيرهم، الفيصل بيننا هو الدستور والقانون، فهو المرجعية الوحيدة المتفق عليها لتنظيم شؤون الدولة والمجتمع.

     ولجهلهم وقصورهم السياسي، فإن أصحاب هذا الخطاب اليميني يدعون حرصهم على البلد والدستور، ولا يدركون الشروخ العميقة والأسافين التي يدقونها في نسيج المجتمع الأردني يوما بعد يوم، ولا ندرك نحن الذين ندعي امتلاك خطاب تعددي حضاري أننا نسمح لهم من خلال سكوتنا الخجول عن مشروعهم الرجعي المتخلف بجرّ البلد إلى عصور ظلام جديدة، وسنندم جميعاً يومها حين لا تنفع الندامة.

     إن ترسيخ مفهوم المواطنة هو الوقاية والعلاج، وهي ببساطة ثنائية متلازمة الحقوق المتساوية والواجبات المتساوية، حقوق تشمل التعليم والرعاية الصحية وتكافؤ الفرص والوظائف والبعثات والمكرمات والمشاركة السياسية ... الخ، وتقابلها واجبات لا تبدأ من دفع الضرائب ولا تنتهي بتشجيع منتخبنا الوطني. فترسيخ هذا المفهوم يعتبر اللبنة الأولى لأردن ديمقراطي حضاري نسعى له جميعاً، ممثلاً بدولة المؤسسات وحكم القانون، هو المستقبل والغد الزاهر الذي يحاول الجهلة هذه الأيام منع تحقيقه والبقاء في مربعات انعزالية ظلامية ومتخلفة.